سورة فاطر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)}
{يُولِجُ اليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار فِى اليل} بزيادة أحدهما ونقص الآخر بإضافة بعض أجزاء كل منهما إلى الآخر {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} عطف على {يُولِجُ} واختلافهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدد حينا فحينا وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه وإنما المتعدد والمتجدد آثاره، وقد أشير إليه بقوله تعالى: {كُلٌّ} من الشمس والقمر {يَجْرِى} أي بحسب حركته على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة أو بحسب حركتيه الخاصة وهي من المغرب إلى المشرق والقسرية التي هي من المشرق إلى المغرب جريانا مستمرًا {لاِجَلٍ مُّسَمًّى} قدره الله تعالى لجريانهما وهو يوم القيامة كما روي عن الحسن.
وقيل جريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما والأجل المسمى عبارة عن مجموع مدة دورتيهما أو منتهاها وهي للشمس سنة وللقمر شهر وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلًا {ذلكم} إشارة إلى فاعل الأفاعيل المذكورة، وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية العظمة وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة أي ذلكم العظيم الشأن الذي أبدع هذه الصنائع البديعة {الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} وفيه من الدلالة على أن إبداعه تعالى لتلك البدائع مما يوجب ثبوت تلك الأخبار له تعالى، وفي الكشاف ويجوز في حكم الأعراب إيقاع اسم الله تعالى صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان و{بِكُمْ} خبرًا لولا أن المعنى يأباه اه.
قال في الكشف: فيه نظر لأن الاسم الجليل جار مجرى العلم فلا يجوز أن يقع وصفًا لاسم الإشارة البتة لا لفظًا ولا معنى، وكأنه فرض على تقدير عدم الغلبة، أما إباء المعنى على تقدير تجويز الوصف فقد قيل: إن المقصود أنه تعالى المنفرد بالإلهية لا أن المنفرد بالالهية هو ربكم لأن المشركين ما كانوا معترفين بالمنفرد على الاطلاق. وأما عطف البيان فقيل لأنه يوهم تخييل الشرك ألا ترى أنك إذا قلت ذلك الرجل سيدك عندي ففيه نوع شركة لأن ذا اسم مبهم، وكأنه أراد أن البيان حيث يذهب الوهم إلى غيره ويحتمل الشركة مناسب لا في مثل هذا المقام، وأفاد الطيبي أن ذلك يشار به إلى ما سبق للدلالة على جدارة ما بعده بسبب الأوصاف السابقة ولو كان وصفًا أو بيانًا لكان المشاء إليه ما بعده، وهذا في الأول حسن دون الثاني اللهم إلا أن يكون قوله: أو عطف بيان إشارة إلى المذهب الذي يجعل الجنس الجاري على المبهم غير وصف فيكون حكمه حكم الوصف إذ ذاك، وبعد أن تبين أن المقام للإشارة إلى السابق فاسم الإشارة قد يجاء به لأغراض آخر اه.
وأبو حيان: منع صحة الوصفية للعلمية ثم قال لا يظهر إباء المعنى ذلك، ويجوز أن يكون قوله تعالى: {لَهُ الملك} جملة مبتدأة واقعة في مقابلة قوله تعالى: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} ويكون ذلك مقررًا لما قبله من التفرد بالالهية والربوبية واستدلالًا عليه إذ حاصله جميع الملك والتصرف في المبدأ والمنتهى له تعالى وليس لغيره سبحانه منه شيء، ولذا قيل إن فيه قياسًا منطقيًا مطويًا. وجوز أن يكون مقررًا لقوله تعالى: {والله خَلَقَكُمْ} [فاطر: 11] إلخ وقوله تعالى: {يُولِجُ} إلخ فجملة {الذين تَدْعُونَ} إلخ عليه إما استئنافية أيضًا وهي معطوفة على جملة «له الملك» وإما حال من الضمير المستقر في الظرف أعني له، وعلى الوجه الأول هي معطوفة على جملة «ذلكم الله» إلخ أو حال أيضًا، والقطمير على ما أخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد لفافة النواة وهي القشر الأبيض الرقيق الذي يكون بين التمر والنواة وهو المعنى المشهور.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر أنه القمع الذي هو على رأس التمرة، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه القشرة على رأس النواة وهو ما بين القمع والنواة، وقال الراغب. إنه الأثر على ظهر النواة، وقيل هو قشر الثوم، وأيًا ما كان فهو مثل للشيء الدنيء الطفيف، قال الشاعر:
وأبوك يخصف نعله متوركا *** ما يملك المسكين من قطمير
وقرأ عيسى. وسلام. ويعقوب. يدعون بالياء التحتانية.


{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}
{إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ} استئناف مقرر لما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع، هذا إذا كان الكلام مع عبدة الأصنام ويحتمل أن يكون مع عبدتها وعبدة الملائكة. وعيسى وغيرهم من المقربين، وعدم السماع حينئذ إما لأن المعبود ليس من شأنه ذلك كالأصنام وإما لأنه في شغل شاغل وبعد بعيد عن عابده كعيسى عليه السلام، وروي هذا عن البلخي أو لأن الله عز وجل حفظ سمعه من أن يصل إليه مثل هذا الدعاء لغاية قبحه وثقله على سمع من هو في غاية العبودية لله سبحانه، فلا يرد أن الملائكة عليهم السلام يسمعون وهم في السماء كما ورد في بعض الآثار دعاء المؤمنين ربهم سبحانه؛ وفي نظم ذي النفوس القدسية في سلك الملائكة عليهم السلام من حيثية السماع وهم في مقار نعيمهم توقف عندي بل في سماع كل من الملائكة عليهم السلام وهم في السماء وذوي النفوس القدسية وهم في مقار نعيمهم نداء من ناداهم غير معتقد فيهم الآلهية توقف عندي أيضًا إذ لم أظفر بدليل سمعي على ذلك والعقل يجوزه لكن لا يكتفي جرد تجويزه في القول به.
{وَلَوْ سَمِعُواْ} على سبيل الفرض والتقدير {مَا استجابوا لَكُمْ} لأنهم لم يرزقوا قوة التكلم والسماع لا يستلزم ذلك فالمراد باللاستجابة الاستجابة بالقول، ويجوز أن يراد بها الاستجابة بالفعل أي ولو سمعوا ما نفعوكم لعجزهم عن الأفعال بالمرة، هذا إذا كان المدعون الأصنام وأما إذا كانوا الملائكة عليهم السلام أو نحوهم من المقربين فعدم الاستجابة القوللية لأن دعاءهم من حيث زعم أنهم آلهة وهم عزل عن الإلهية فكيف يجيبون زاعم ذلك فيهم وفيه من التهمة ما فيه، وعدم الاستجابة الفعلية يحتمل أن يكون لهذا أيضًا ويحتمل أن يكون لأن نفع من دعاهم ليس من وظائفهم، وقيل لأنهم يرون ذلك نقصًا في العبودية والخضوع لله عز وجل.
ويجوز أن يكون هذا تعليلًا للأول أيضًا فتأمل {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} فضلًا عن أن يستجيبوا لكم إذا دعوتموهم، وشرك مصدر مضاف إلى الفاعل أي ويوم القيامة يجحدون إشراككم إياهم وعبادتكم إياهم وذلك بأن يقدر الله تعالى الأصنام على الكلام فيقولون لهم ما كنتم إيانا تعبدون أو يظهر من حالها ظهور نار القرى ليلا على علم ما يدل على ذلك ولسان الحال أفصح من لسان المقال، ومن هذا القبيل قول ذي الرمة:
وقفت على ربع لمية ناطق *** يخاطبني أثاره وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه *** تكلمني أحجاره وملاعبه
وإن كان المدعوون الملائكة ونحوهم فأمر التكلم ظاهر، وقد حكى الله تعالى قول الملائكة للمشركين في السورة السابقة بقوله سبحانه: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [سبأ: 40، 41] {وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل مخبر خبيرًا خبرك به يعني به تعالى نفسه كما روي عن قتادة. وغيره فإنه سبحانه الخبير بكنه الأمور، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون غير مختص أي لا يخبرك أيها السامع كائنًا من كنت مخبر هو مثل الخبير العالم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والمراد تحقيق ما أخبر سبحانه به من حال آلهتهم ونفى ما يدعون لهم من الإلهية.
وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون ذلك من تمام ذكر الأصنام كأنه قيل: ولا يخبرك مخبر مثل من يخبرك عن نفسه وهي قد أخبرت عن أنفسهما بأنها ليست بآلهة، وفيه من البعد ما فيه.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}
{خَبِيرٍ ياأيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} في أنفسكم وفيما يعن لكم من أمر معهم أو خطب ملم، وتعريف {الفقراء} للجنس أو للاستغراق إذ لا عهد، وعرف كذلك للمبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم نزلة العدم وذلك قال تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا} [النساء: 28] ولا يرد الجن إذ هم لا يحتاجون في المطعم والملبس وغيرهما كما يحتاج الإنسان وضعفهم ليس كضعفه فلا حاجة إلى إدخالهم في الناس تغليبًا على أنه قيل لا يضر ذلك إذ الكلام مع من يظهر القوة والعناد من الناس، والقول أن القصر إضافي بالنسبة إليه تعالى لا يخفى ما فيه، وقال صاحب الفرائد: الوجه أن يقال والله تعالى أعلم المراد الناس وغيرهم وهو على طريقة تغليب الحاضر على الغائب وأولى العلم على غيرهم، وهو بعيد جدًا.
وقال العلامة الطيبي: الذي يقتضيه النظم الجليل أن يحمل التعريف في الناس على العهد وفي الفقراء على الجنس لأن المخاطبين هم الذين خوطبوا في قوله تعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} [فاطر: 13] الآية أي ذلكم المعبود هو الذي وصف بصفات الجلال لا الذين تدعون من دونه وأنتم أشد الخلائق احتياجا إليه عز وجل ولا يخلو عن حسن {والله هُوَ الغنى} عن كل شيء لا غيره {الحميد} المنعم على جميع الموجودات المستحق بانعامه سبحانه للحمد، وأصله المحمود وأريد به ذلك على طريق الكناية ليناسب ذكره بعد فقرهم إذ الغني لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادًا منعمًا ومثله مستحق للحمد، وهذا كالتكميل لما قبله كما في قول كعب الغنوي:
حليم إذا ما الحلم زين أهله *** مع الحلم في عين العدو مهيب
ويدخل في عموم المستغنى عنه المخاطبون وعبادتهم، وفي كلام الطيبي رائحة التخصيص حيث قال ما سمعت نقله وهو سبحانه غني عنكم وعن عبادتكم لأنه تعالى حميد له عباد يحمدونه وإن لم تحمدوه أنتم والأولى التعميم.
وما روي في سبب النزول من أنه لما كثر من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء وكثر الاصرار من الكفار قالوا لعل الله تعالى محتاج لعبادتنا فنزلت لا يقتضي شيئًا من التخصيص في الآية كما لا يخفى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8